استفاد السلطان المملوكي قلاوون، من الهدنة مع الصليبيين سنة 1283 وتوغل جيشه الى معاقل الموارنة في اعالي لبنان الشمالي، فاحتل القرى والبلدات التي تحيط بطرابلس والتي كانت تساعد المدينة دائما ضد المماليك حتى وصل الى بشري واهدن وحدث الجبة وخربها، فنزحت جماعات كبيرة من الاهالي الى الوديان العميقة والجبال العاصية والى جزيرة قبرص. لم يتحرك الصليبيون لنجدة هؤلاء الموارنة الاقحاح الذين كانوا يدافعون عنهم ويتكبدون الخسائر في كل مرة كان المماليك يتقدمون باتجاه طرابلس لاحتلالها، الامر الذي ادى الى التنكيل بقرى اهدن وبشري والحدث بعنف بالغ.
يقول البطريرك الدويهي: «… في شهر ايار سنة 1283، سارت العساكر الاسلامية الى فتح جبة بشري وصعدت الى وادي حيرونا شرقي طرابلس، وحاصروا قرية اهدن حصارا شديدا وملكوها بعد اربعين يوما في شهر حزيران، وسلبوا ما وجدوا، وضربوا القلعة التي في وسطها، والحصن الذي كان على رأس الجبل، ثم انتقلوا الى ميفوق ففتحوها في شهر تموز وقبضوا على اكابرها واحرقوهم في البيوت ودكّوها للأرض واكثروا من النهب والسلب. وبعد ان اعملوا السيف بأهل حصرون وكفرسارون وذبحوهم في الكنيسة رجعوا في 22 اب الى حدث الجبة فهرب اهلها الى مغارة عاصي الحدث…».
إستمر حصار مغارة عاصي الحدث 7 سنوات تمكن من خلالها أهالي الحدث من الصمود في وجه المماليك الذين احتلوا البلدة ونكلوا باهلها واحرقوا منازلها ولم تسلم كنيسة مار دانيل من الخراب التي أصابها. تمكن أهالي الحدث من الصمود داخل المغارة وذلك بعد أن جرّوا اليها قناة ماء من عين كوسا، حيث كانت تصل الى المغارة بطريقة سرّية. وكان الأهالي يؤمّنون المؤن من حبوب وطحين وزيوت ومواشي وذلك عبر التنقل بدهاليز تصل المغارة بالبلدة.
إستعان المماليك بالخيل لمساعدتهم في إيجاد الطريقة للدخول الى المغارة. فعطّشوا الخيل ثلاثة أيام، واطلقوها فوق المغارة لأكتشاف مصادر المياه اليها، ولم تمض ثلاثة أيام على تعطيش الخيل حتى إكتشفت مجرى للماء فجلبوا الحيوانات، وذبحوها على قنوات الماء، وإمتزج الماء بالدم، وتلوّثت كليّاً المياه. فأستسلم الأهالي بعد سبع سنوات من الحصار. منهم مَن مات داخل المغارة جوعاً وعطشاً، ومنهم مَن هرب الى خارج المغارة فقتله المماليك، ومنهم على عدد أصابع اليد، تمكنوا من الهرب إلى جبيل.
* تمّ الحصول على المعلومات لعملنا هذا من كتاب تاريخ وروايات تاريخية لبلدة حدث الجبّه عظمة وتُراث، مدعومة بالصور والمعلومات من مؤرخه الأستاذ جورج أنطون الشدراوي