يقع دير ما أنطونيوس الكبير- قزحيّا في الوادي المعروف بوادي قزحيّا (الكنز الحيّ). يعلو عن سطح البحر حوالى 900م ويلتقي امتداده وادي قنّوبين، فيؤلّفان معاً وادي قاديشا، ويشهدان سويّةً لتاريخ القداسة والحياة النسكيّة في لبنان.
يرجّح المؤرّخون والباحثون تأسيس هذا الدير، ودخول النسّاك إليه، في أوائل القرن الرابع. وقد تعرّض مرّات للنهب والحرق والتدمير، ومع ذلك، بقيت منه آثار شاهدة منذ القرن السابع. كان الدير، منذ القديم، ركيزة الحياة النسكيّة في الكنيسة المارونيّة، ومدرسةً للتنشئة الرهبانيّة. استهوت محابسه، وبخاصةٍ محبسة مار بيشاي، النسّاك الراغبين في عيش الإنفراد والزهد. وكان من بين أولئك النّساك الحبساء البطاركة: موسى العكّاري (1524-1567)، وميخائيل الرزّي (1567-1581)، وسركيس الرزيّ (1581-1596)، ويوسف الرزيّ (1596-1608). وتجدر الإشارة إلى أنّ دير مار انطونيوس قزحيا استقبل أوّل مطبعة وصلت إلى الشرق عام 1585، أي في أيّام البطريرك سركيس الرزيّ.
بعد ان سكن الرهبان اللبنانيّون دير قزحيّا، رأوا أنّ الأملاك التي في يدهم لا تدرّ عليهم ما يلزمهم من مصاريف ونفقات. لذلك، استأجروا بعض الأراضي الصالحة للزراعة من أملاك أهل البلاد ومن أملاك الدولة المعروفة بـ» البكليك»، كما استأجروا من الشيخ عيسى حماده، حاكم البلاد آنذاك، « مزرعة عين بقره» بعشرة قروش في السنة. وهذه المزرعة تقع شمالي بلدة «إهدن» فوق قريتي بان وكفرصغاب. وظلّ الرهبان يعملون فيها ويستصلحونها إلى أن تملّكوها في ما بعد بالشراء الشرعيّ، وأنشأوا فيها أخيراً خزّانات مياه لريّ جنائنها الواسعة.
وفي دير قزحيّا، نمت الرهبانيّة وتكاثر عددها، ومنه انتشرت في كلّ لبنان. وأصبح الدير نقطة الإرتكاز والمرجع الأساس، حتّى أنّ اسمه طغى على الرهبانيّة، فعرفت بـ»رهبنة قزحيّا».